الاسلام والشيوعيين في بلاد بخارى

1 يناير 2022431 مشاهدةآخر تحديث : السبت 1 يناير 2022 - 6:06 مساءً
Loubna Ahmed
الوعي الثقافيحضارة الشعوب
الاسلام والشيوعيين في بلاد بخارى

 

أولا:- خريف بلاد ما وراء النهر

في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضـي الله عنه) فتحت بلاد أذربيجان، ثم في سـنة خمس وخمسـين للهجرة عبر المسلمون نهر جيحون إلى بخاري ثم إلى سـمرقند، وقد صالحهم أهل المدينتين إلى أن نقضـت سـمرقند عهدها، وقد أرسيت قواعد الإسلام الحنيف في بلاد ما وراء النهر بين سنتي سبع وثمانين وأربع وتسعين للهجرة، وعادت سمرقند إلى الديار الإسلامية.

لقد دخلت جميع مناطق ما كان يسـقى إلى عهد قريب “الاتحاد السوفييتي” الإسـلام، وذلك بإسـلام التتار في القرن السابع الهجري، حتى موسكو نفسـها بقيت لأكثر من قرنين في كنف الإسلام إلى أن سقطت القسطنطينية وفتحها المسلمون، حيث تحول النصـاري حينذاك إلى روسيا وأصبحت معقنا لهم، وبعد حروب ضـروس شنّها الروس على المسلمين بقيادة إيفان الثالث سـنة خمس وثمانين وثمانمائة للهجرة؛ سـقطت موسكو، ثم قاد حفيده إيفان الرهيب إبادة جماعية للمسلمين ومدنهم بالكامل، وتبع ذلك زحفا على آسيا الوسطى فسـقطت طشقند وسمرقند وبخاری وعشق آباد وبلاد التركمان.

لقد عاش المسلمون في تلك البلاد بعد سقوطها ألوانا من الذل والاحتقار تشيب لها الرؤوس، ثم تمددت جراحهم بعد قيام الثورة البلشفية الشيوعية سـنة 1917م بغزو بقية بلادهم حتى سقطت بأكملها أقل من عشـرين عاما، وتختلف المصـادر على نسـبة المسلمين سكان الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت ما بين 10% و30%، ويذكر المؤلف أن عدد الجمهوريات والدول الإسلامية في تلك البقعة يزيد على أربع عشرة جمهورية.

ويستنكر عدم دراية الغالبية العظمى من الأمة الإسلامية بهذه المناطق؛ تاريخها ومعالمها وجغرافيتها وحضارتها وآلامها، إلى حد أن المثقف اليوم يجهل حتى أسـماء تلك الأراضـي إلا واحدة أو اثنتين، ومما يدمي القلب، أن هذه الجمهوريات والبلاد الإسلامية كانت غنية بالموارد بشكل كبير فاستغلتها الشيوعية لضـرب المسلمين ونشـر الإلحاد والتنكيل بدينهم داخـل البلاد وخارجها، ومع استقلال الجمهوريات الإسلامية بدأ الغرب يحذر من هذا النمط الجديد في تلك الأراضي باعتبارها قوة كامنة وقنبلة قابلة للانفجار في وجه القوميات الأخرى.

ثانيا- عندما تنطفئ الشمس ويحجب النور

13a - بوابة الوعي الإلكترونية

سلكت الشيوعية كل السبل لمسخ الهوية الإسلامية في بلاد ما وراء النهر، وكرسـت الثروات والقوى الهائلة لنشـر الإلحاد بين المسلمين وسلخهم عن دينهم حتى وضعوا أيديهم على كل مجال، فمن وسـائلهم في التعامل مع الأماكن والمراكز الإسلامية أن حولوا كل المساجد إلى متاحف ومسـارح ومراقص وخقارات وأندية وإسطبلات ومستشفيات ومؤسسات أخرى، ففي تركستان وحدها أغلق ما يزيد على 26000 مسجد! ولم يختلف أمر المدارس الإسلامية عن المسـاجـد كثيرا، فلم يبق من الثلاثمائة والستين مدرسة إسلامية في بخارى مثلا سوى خمسين مدرسـة، وفي خوارزم دخل الدكتور مدرسـة “محمد أمين خان” التي بنيت سنة 1275هـ ذات البناء الشامخ والتصميم الجميل، فوجـدهـا فـنـدقـا، وأخرى بجوار تلك المـدرسـة جعلوها دارا للسينما!

ويبدو أن ما فعله الشيوعيون بالمساجد والمدارس الإسلامية لم يشبع جوعهم إلى الاستبداد والبطش. فحرقوا المصاحف والكتب حتى وصـف مشهد الكتب التي جمعوها من بخاری وسـمرقند بأنه كالجبال، وحظروا على الناس اقتناء المصـاحف وكتب العلوم الشرعية واللغة العربية، وكان ينكل بمن يمتلك أي شيء يمتُ إلى الإسلام بصـلـة، وفي المقـابـل كثفوا من نشـر أدبيات الإلحاد والشيوعية، كما منحوا عضوية الحزب الشيوعي امتيازات هائلة يتمتع بها من ينضم إلى الحزب، ولقد رافق هذا الإظلام الذي ضربوه على المسلمين ضروب من الاحتلال الثقافي العنيف، ففرضـت الروسية لغة رسمية في كل المؤسـسـات والمجالات، ومجد أكابر الإلحاد والزعماء والرموز محاربي الإسلام والمسلمين هناك حتى ضـجت الشوارع والميادين بصورهم وتماثيلهم.

أما نسـاء المسلمين فأذاقهن الشيوعيون الويلات، إذ منعوا النسـاء من الحجاب الشـرعي وأقيمت الحفلات الإلزامية لحرق الحجاب، ووجهوا نســاء المسلمين إلى الأعمال الشاقة، وحتى العجائز لم يرحموهم، وضيقوا على المشايخ وعلماء الشـريعة أشـد تضييق، بل وعلى أبناء المسلمين في المدارس، إذ أجبروهم على الإفطار في نهار رمضان وحاصروهم بالمناهج والمقررات المتشبعة بالفكر الشيوعي الإلحادي، فيظل الطالب في تعليم إلزامي من عمر 7 سنوات حتى 17 سنة ثم يذهب إلى التجنيد الإجباري لعامين، ومع طغيان الشيوعية على كل مناحي الحياة يجد الآباء أنه من الصعب أن يربى الابن تربية إسلامية صحيحة

ثالثا- مقاومة مستعصية

دول الاتحاد السوفيتي - بوابة الوعي الإلكترونية

لم يستسلم كل المسلمين لهذا الظلم والإذلال. فمنهم طائفة قاومت تلك الحروب الشيوعية بما استطاعوا لإحياء الدين في النفوس عسـى أن تنجلي إلحاد الدولة الإلزامي بعادة عدها الكاتب حسـنة في مثل هذه المواقف دون غيرها، فكانوا يرفعون أياديهم إشـارةً بالدعاء للضيف وعند الطعام وعند تحية بعضهم بعضاء فكانت بمثابة إثبات للوجود الإلهي وعلو الحق سبحانه وتفرده بالألوهية.

كما انتشـر بينهم بغض التدخين معاداة للروس الذين فشـت فيهم تلك العادة حينذاك، وعرفوا التعليم سـرا لمواجهة الغربة المفروضة عليهم، فاتخذوا من السراديب والحجرات أماكن لتلقي العلوم الشـرعية واللغة العربية. ولم يقتصر الأمر على الذكور، بل شمل الإناث أيضا فكانت المرأة تجتمع بالبنات المسلمات سرا في غرفة وقد يكون زوجها في الغرفة المجاورة مع الذكور يعلّمهم أمور دينهم.

أما أطفال هذه الفئة المقاومة والمستمسكة بهويتها القابضة على دينها فحتى مع دخولهم المدارس الشيوعية فقد زرع فيهم والديهم كراهية الروس وشيوعيتهم، فلم تفلح مدارس الشيوعيين مع هذه العصـبة الناشئة، ولم تكسـبهم مجاورة غير المسلمين الذين جاء بهم الشيوعيون للعيش في الوسـط الإسـلامي إلا مناعة. فتربى الأطفال على عدم قبول هذا الجار الغريب، كما تربوا على حب العربية وحروفها حتى ولو لم يعرفوا القراءة بها.

ولما خرج الروس من بلادهم خرج من الحجرات والسراديب آلاف الطلاب الذين يعرفون من الدين ضـروراته وقدر من القرآن الكريم، وعلى الرغم من محاولات طائفة من المسلمين كسر هذا الحصار الشيوعي الثقافي والحضاري والعسكري، وتعريض حياتهم وأولادهم للموت أو العقاب القاسي، وجلدهم وصبرهم على هذا التضييق والخنق إلى درجة عدم معرفة الطلاب شـيوخهم ومعلميهم اللهم إلا الكنى والأســماء الأولى، فقد وجد آخرون لم يستطيعوا الصمود أمام السيول الجارفة للشيوعية، فمن المسلمين من نشأ ولا يعرف عن دينه شيئًا.

وختاما 

إن هذه البلاد التي سماها بعض السلف “بلاد التقوى” من كثرة ما يخرج منها من علماء ربانيين تنتظر منا أن نقدم لهـا كمـا قـدمـت لنا على مر التاريخ، علينا ألا نخيب آمال أهلها أو نخيب ظنهم بنا، فإذا سـافر أحد إلى تلك البلاد فليحفظ نفسـه من مواطن الشـبهات لئلا تهتز صـورة حملة رسالة الإسلام عندهم، ومتى عرف المسافر إليهم أنه يمثل بالنسبة إليهم الإسـلام فليتحرّ النهج القويم ويحذر التقصير أو الضـعف، والواجب عليه دعم الدعوة هناك وتذكيرهم بفضـلهم على الأمة بمن خرجوه لنا من علماء أجلاء وتراث رصين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.