” أصحاب الهمم ” وسام قبل أن يكون تعبيراً عن فئة من الناس

2 مارس 2020839 مشاهدةآخر تحديث :

 

«إعاقة الإنسان، هي عدم تقدمه، وبقاؤه في مكانه، وعجزه عن تحقيق الإنجازات، وما حققه أصحاب الهمم في مختلف المجالات، وعلى مدى السنوات الماضية من إنجازات، دليل على أن العزيمة والإرادة تصنعان المستحيل، وتدفعان الإنسان إلى مواجهة كل الظروف والتحديات للوصول إلى الأهداف والغايات بثبات».

بهذا البيان الواضح، والتحديد الشامل، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رؤية القيادة لفئة من أبنائها، أطلقت عليهم المؤسسات الدولية المعنية بشأنهم في فترة زمنية معينة أنهم «معاقون»، ولما أرادت أن تخفف من وقع المصطلح وأثره، جاء التعديل إلى «ذوي الاحتياجات الخاصة».

وعلى الرغم من تطور المصطلح، إلا أن الاحتياج ما زال قائماً، وكأنه كتب عليهم، ثم إن لفظ «الخاصة» يؤسس لفئة مختلفة عن غيرها، وأن احتياجاتهم تختلف وكأنهم عبء، الأمر الذي يجعل هناك فاصلاً نفسياً وحاجزاً معنوياً بينهم وبين باقي المجتمع.

ويظل الحال كذلك، إلى أن جاءت الإمارات بقيادتها، لتطلق عليهم «أصحاب الهمم»، ويا له من وصف يعبر عن واقع أو أنه يعبر عن حالة اجتماعية شاملة، ساهمت في تغيير نظرتهم لأنفسهم ونظرة الناس إليهم.

وفي تقديري أن مصطلح «أصحاب الهمم»، وسام قبل أن يكون تعبيراً عن فئة من الناس، وهم بالفعل كذلك، وبخاصة أنهم رغم التحديات لم ينعزلوا عن مجتمعاتهم وينغلقوا على أنفسهم، بل على العكس من ذلك، فحين فتحت لهم الدولة مجالات واسعة وآفاقاً رحبة، باعتبار أنهم قادرون على المساهمة بفاعلية في خدمة مجتمعاتهم، انطلقوا وحققوا نجاحات عجز عنها غيرهم، فأثبتوا أن الإعاقة ليست في الجسد، لكنها في العقل العاجز عن الفكر الصائب، الذي يأتمر الجسد بأوامره.

وأن الإعاقة تتمثل في الفكر المشوش الذي يورد صاحبه المهالك، كما أنها في القدرات التي يوجهها صاحبها مسالك السوء، فيضر ولا ينفع، ويهدم ولا يبني، ويسير على غير هدى من فكر أو علم، تلك هي الإعاقة الحقيقية.

من هنا، فإن السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم، تؤكد على إيجاد مجتمع دامج خالٍ من الحواجز، يضمن التمكين والحياة الكريمة لأصحاب الهمم وأسرهم، عبر رسم السياسات وابتكار الخدمات التي تحقق لهم التمتع بجودة حياة ذات مستوى عالٍ، والوصول إلى الدمج المجتمعي، وتحقيق المشاركة الفاعلة، وتعزيز الفرص المتكافئة، ودعم الأفراد والأسر وتمكينهم للقيام بأدوارهم.

ولا شك أن المحاور التي تقوم عليها سياسة تمكين «أصحاب الهمم»، والتي تبدأ بالرعاية الصحية، عبر برامج محددة، ورعاية قبل الولادة وأثناء الحمل وبعد الولادة، فضلاً عن محور التعليم الذي يسير على مسار المناهج التعليمية التي تدمج بين التعليم العام والمهني.

فضلاً عن إعداد معلمين أصحاب مؤهلات قادرة على تلبية احتياجات أصحاب الهمم، إضافة إلى ابتكار برامج تعليمية ومصادر معلوماتية ووسائل تكنولوجية تفتح لهم آفاقاً للإبداع، وتسد احتياجاً حقيقياً في سوق العمل.

بحيث لا يتم التعامل مع كفاءات أصحاب الهمم من منظور مختلف، يعبر عن إيمان حقيقي بقدراتهم وحاجة ملحة لها، وهو الأمر الذي ينعكس بلا شك على اندماجهم الاجتماعي على أسس نفسية سليمة.

ولا شك أن محور إمكانية الوصول، يؤكد أن أصحاب الهمم جزء أصيل من نسيج المجتمع، لا يجب إغفال حقه، وأن مراعاة ظروفه واجب وحق من الحقوق، لن تتم استكمال الإجراءات إلا بتوافره، الأمر الذي يحيل التعامل معهم من منظور العطف أو الخلق، رغم أهميته، إلى إلزام، والأمر مختلف، سواء الوصول المادي بسهولة ويسر، أو الوصول إلى مصادر المعلومات، باعتبارها حقاً أصيلاً للإنسان، سواء كان من أصحاب الهمم أو غير ذلك.

وفي تقديري أن محور الحماية الاجتماعية، والذي يضمن عدم الإساءة لأصحاب الهمم أو انتقاص حق من حقوقهم، باعتبارهم أفراداً راشدين نافعين للمجتمع، وإتاحة برامج تدريبية تساعدهم على التطوير الذاتي، من شأنها أن تصنع بيئة مواتية للتعبير عن قدراتهم الحقيقية.

ولا شك أن كل ذلك يهيئ للمحور الخاص «الحياة والثقافة العامة»، باعتبار أن ما سبق تمهيد لما هو آتٍ، ليتحول التعامل مع أصحاب الهمم من منهج رعائي إلى منهج حقوقي.

إن حضارة الأمم الحقيقية تقاس بمدى رعاية كافة أبنائها دون انتقاص أو تفريط، وإن وطناً يهتم بفئة من أبنائه لهم ظروفهم الخاصة، ويعتني بها، جدير بالفناء دونه وبذل الروح من أجله، فطوبي لمن أسس وبنى، وطوبى لمن حافظ ونمى، وطوبي لمن أحب رمال هذا الوطن.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.