تعتبر عملية مزاوجة الجينات (الوحدات الوراثية) خطوة ثورية حقاً في حقل البيولوجيا الجزيئية طوال السنوات الماضية؛ ذلك أنها تمتلك القدرة على إنتاج أشكال حياتية مختلفة من خلال مواد عضوية متنوعة، وأيضاً تركيب المواد النادرة الوجود في الطبيعة والضرورية لعلاج الأمراض المستعصية بكلفة أقل. ومن هذه المواد نذكر على سبيل المثال بروتيين الانتروفون المضاد للحميات، الذي برهن مؤخراً على قدرته لعلاج أنواع الرشح المعروفة، وكذلك فعاليته في تأمين علاج لمرض السرطان .
ومن أجل فهم أفضل لعملية مزاوجة الجينات، علينا الرجوع إلى الخمسينات والستينات هذا القرن، حين أجريت الأبحاث الأولية على هيكلية الجينات. إذ في العام 1953، اكتشف كل من جيمس واطسون وفرانسيس كرنيك البنية الجزيئية للدنا، وهو الحامض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين (DNA). وفي السنوات اللاحقة، وجد هذان العالمان أن الجينات في وسط نواة الخلية تحتوي على جدائل من الدنا، وهي تشبه الدرج الحلزوني أو الحبال الملفوفة . وكذلك اكتشف العالمان أن كلا من هذه الجدائل تحتوي على أربع مجموعات من الفروع الصغرى.
1 – تتحرك جينة الدنا باتجاه بلازميد تم قطعه بواسطة انزيم بانتظار المزاوجة الجديدة .
2 – تمسك جينة الدنا بالأطراف اللزجة للبلازميد من أجل تكوين جزئية دنا جديدة .
3 – يتحضر البلازميد الجديد لدخول الباكتيريا، حيث سيعمل على تغيير مستقبل هذه الباكتيريا عن طريق راموز الجينات الوراثي الجديد
وتؤمن هذه الفروع الأربعة المنتقاة عشوائيا الخارطة الأصلية، أو الراموز الأوحد، لكل پروتيين معين. وتؤلف هذه البروتينات على أشكالها كامل الجسم البشري . أما الوسيط الذي ينقل الرمز الوراثي فهو الرنا (RNA)، أو الحامض النووي الريبي، ويتشكل هذا الرنا من جديلة واحدة تضم فروعا أربعة مرتبة بحيث تتماثل مع فروع الدنا. ويتحرك هذا الأخير خارج الخلية بغرض جمع العناصر البيوكيماوية، وتصنيع البروتيين، الذي هو ثالث عنصر أساسي في تكوين جسم الإنسان .
وإضافة إلى ذلك فقد اكتشف علماء البيولوجيا في السبعينات أن بعض الانزيمات، المسماة بأنزيمات الحد، تستخدم لتقطيع جديلة الدنا في أمكنة معينة. ومن ثم تستخرج جزيئات الدنا المتقطعة ليعاد ترتبيها بطريقة مختلفة، أو لتضاف عليها جزيئات أخرى، مما ينتج مسودة خارطة جديدة يتحتم على الرنا تقليدها .
وقد أجرى علماء البيولوجيا المشاركون في البحث تجاربهم على باكتيريا الاشريكية القولونية، وهي عبارة عن جراثيم عضوية احادية الخلية تترعرع في داخل إمعاء الإنسان ومعدته. وقد وقع اختيار العلماء على هذه البكتيريا بالذات لأنها تحتوي على دنا أقل بحوالي الألف مرة من الخلية البشرية العادية . (ومن الجدير بالذكر هنا أن جديلة الدنا في خلية بشرية واحدة قد يصل طولها إلى ميل وأكثر عند مطها من دون اقتطاعها). وتبدأ العملية بعلاج البكتيريا المذكورة آنفاً كيماوياً بحيث تتخلى عن «دنا»ها. وعندما يتم ذلك ينتقل العلماء إلى مهمة عزل البلازميد، وهو عبارة عن حلقة دنا مرتبطة ببنية البكتيريا. ومن ثم يعمد انزيم الحد على قطع البلازميد، بحيث تبقى أطرافه لزجة تقريباً. ولذلك فعندما يؤتى بجيئة دنا جديدة ، تم علاجها هي الأخرى بانزيم حد بحيث تكون أطرافها لزجة أيضاً، فإنها تتمسك بالبلازميد . وهنا تعاد الجزيئة الجديدة إلى باكتيريا الاشريكية القولونية التي تم علاجها بمحلول كيماوي يسمح للبلازميد بدخولها. والملاحظ هنا أنه مهما كان البروتيين الجديد غريباً على البكتيريا ، فإنها تتأقلم معه وتتكاثر وفق الراموز الوراثي الجديد .
ويعتبر الهرمون المسمى بـ «السوماتوستاتين» أول بروتيين تم تركيبه بداخل بكتيريا الاشريكية القولونية عن طريق دنا مأشوب (أي ناتج عن عودة الاتحاد الجيني). وبعد هذا الهرمون جاء «الأنسولين» في فترة لاحقة، وتبعه هرمون النمو الخاص بالغدة النخامية، ثم الانترفرون حديثاً. وتكمن العملية الصعبة هنا في تحديد مكان الجينة . ولهذا فأن العلماء ما يعمدون لإيجاء الرنا أولا، ثم يستغلونه لتشكيل الدنا. وتزداد سهولة العملية إذا ما كان الرنا متوفراً بكميات كبيرة، كما هو الحال مع هرمون الأنسولين. أما إذا كان الرنا نادر الوجود، کا في حال رنا الانترفرون في خلية الدم البيضاء، فإن عملية البحث الصعبة ترتكز على إيجاد جزيء غالباً واحد من بين ألف .