لو أن ركام البناء المنهار أظهر في كل مرة سر الانهيار لكان عمل المهندسين المتحرين سهلا جداً، إلا أنه في الواقع ليس العمل سهلا لهذه الدرجة، بخاصة وأن الحفر وتصوير الركام ليسا سوى جزء بسيط من المهمة الكبرى. إذ على المهندسين المختصين أن يتحروا عن تاريخ المبنى منذ لحظة بنائه أو وضع تصاميمه من قبل المهندس المعماري . وهذا يشمل التفتيش عن الخرائط التي وضعها المهندس ودراستها بالكامل، وكذلك حسابات المهندس المدني، ورسوم المتعهدين لكل جزء من المبنى، وسجلات نوعية المواد المستعملة في عملية البناء. ويكون من بين مهام اللجنة المتقصية التفتيش عن دليل لأية مشكلة طرأت أثناء عملية البناء ولم يتم تصحيحها . هذا إذا لم يخف المتعهد كل الأدلة التي تكشف تلك المشكلة لحظة علمه بها.
وكما يظهر، فإن تحديد سبب انهيار مبنى ما يشبه تحريات شرلوك هولمز مختص بأمور البناء . وإذا ما رفعت دعوى بهذا الخصوص (وغالباً ما ترفع دعاوى عندما يتعلق الأمر بقضية بملايين الدولارات) فإن المهندسين المتحرين لا يتركون شاردة أو واردة، إلا وينظرون فيها.
وتنهار الأبنية عادة لواحد من هذه الأسباب الآتية : أخطاء في التصاميم، أخطاء في عملية البناء، عدم فعالية مواد البناء، أو كارثة طبيعية تتجاوز الاحتياطات الأمنية التي يحددها قانون البناء، والتي ترتكز أساساً على احتمالات مستقبلية لما يمكن أن يحدث مرة كل مئة عام . والواقع أن الاحتمالات الثلاثة الأولى هي التي تدخل ضمن إطار اهتمامات المحققين، لما تتأتى عنه عموماً من جهل، أو عدم اهتمام، أو طمع. وعلى سبيل المثال، إذا فشل المهندس في فهم وتحقيق رغبات المصمم، وعمد إلى استخدام العوارض الرفيعة كدعامات للسقف، بدل العوارض المسمكة التي تتحمل أي ضغط ناتج عن ثقل الثلوج الهابطة في فصل الشتاء، فإن ذلك يعرض البناء لخطر خطأ في التشييد . وكذلك الأمر، إذا أنقص المتعهد من استعمال أعمدة الدعم بشكل كاف ، ينم عن خطأ مهم في البناء. وهنالك احتمال ثالث يتأتى عن رغبة أحد الضالعين في عملية البناء بتخفيض نفقات العملية عن طريق استعمال نوع من الأسمنت لا يفي بالشروط الضرورية لتقوية البناء. وفي هذه الحالة تعمد لجنة التحقيق إلى اقتطاع عينة من البناء لفحصها على مدى 28 يوماً. والسبب وراء اختيار هذه المدة الزمنية هو أن الأسمنت يستلزم هذه الفترة للجفاف واكتساب الصلابة اللازمة، وخلال هذه المدة يبقى الأسمنت محفوظاً داخل قوالب داعمة تكسبه القسوة الضرورية؛ فإذا ما نزعت هذه القوالب قبل أوانها، يؤدي ذلك إلى احتمال انهيار المبنى مستقبلا .
ويعتبر انهيار كوليسيوم مركز هارتفورد سيفيك في 18 كانون الثاني / يناير 1978 من أكثر الانهيارات التي حظيت باهتمام الدوائر المعنية، وقد قامت شركة ليف زيتلين وشركانه باجراء تحقيقات لم يسبق لها مثيل في هذا المجال، كما أعدت دراسات شاملة عن المشروع بكامله ويمكن من خلال الاطلاع على بعض تقارير هذه الشركة أخذ فكرة وافية عما تحتاجه من أجل تحديد أسباب الانهيار.
فمنذ البداية إنطلق المحققون إلى مكان الانهيار لفحص بنية السقف عبارة عن جمالون (مجموعة روافد على صورة مثلث لتدعيم السفف) مسلم خدها 30 قدماً مربعاً، بالإضافة إلى عوارض وسطية داعمة). وفي الأساس، فقد للكوليسيوم. (وقد تألف هذا الجمالون من 120 رافدة على شكل هرم، يبلغ حجم كل منها وتصويرها ، Kings تجمع ركام المبنى لاحقا عبر الملتقطة من الناتج عن انهيار حوالي 15 قدماً من سقفه في وسط المدرج (الكوليسيوم) مما أخفى مانيت الجو على أنه شرخ في وسط المبنى. هذا وقد ثابر المحققون على الصور مقارنة ملاحظاتهم الميدانية بالدراسات المستقلة التي أجريت على تصاميم المبنى، وعملية بنائه وعلى رسومه الميكانيكية، والكهربائية، ومواسير المجاري، وجمالون السقف ، والدعائم المعدنية . وقد ساعدت تحاليل جهاز الكومبيوتر للسقف على كشف ردة فعل المبنى تجاه أية كارثة يتعرض لها. وعلى سبيل المثال فقد رسم الكومبيوتر عدة أشكال تبين ردة فعل السقف حيال الحمولات المختلفة التي يتعرض لها. ولذلك، فإنه عندما عبر بعض خبراء الشركة عن اعتقادهم بأن الثلوج هي التي أدت بالسقف إلى الانهيار، إلا أن اللجنة الفاحصة للبناء وجدت أن حمولة الثلوج في 18 كانون الثاني/يناير كانت بحدود 17 باوندأ للقدم المربع، فيها كانت إمكانات السقف الحملية تصل إلى حدود 30 باونداً. ومن ناحية ثانية، فقد وجدت اللجنة أن تصاميم السقف كانت تمكنه من تحمل حمولة تصل إلى حدود 40 باونداً بالقدم المربع (من دون الثلوج)، فيها كانت الحمولة الفعلية تصل إلى حدود 53 باونداً، وهذا يعني أن السقف كان يتحمل حوالي 1.5 مليون باوند أكثر من طاقته. وإضافة إلى هذه الاكتشافات، فقد السقف من وضعت اللجنة تقريراً عن المعادن التي تألف منها البناء، واستجابتها للشروط الأمنية .
وعلى هذا الأساس فقد تبين من خلال الصور والخرائط التي رسمها الكومبيوتر للكوليسيوم، ومن خلال الوجهة التي تم فيها الانهيار، أنه كان تدريجياً، وبدأ من مكان معين ثم راح ينتقل إلى نقاط ضعف أخرى، فيما يشبه لعبة أحجار الدومينو. ومن خلال ذلك، فقد استنتجت اللجنة أن عملية الانهيار بدأت منذ اللحظة الأولى التي شيد فيها المبنى. كما أظهر التحليل التقني والرياضي الدقيق أن العوارض المثلثة التي كانت تدعم السقف لم تكن كافية ، وبالتالي فإن الانهيار كان بنتيجة الخطأ في حساب قدرة بعض دعائم المبنى على الصمود.