في العام 1883، وقبل أن يعرف علم بصمات الأصابع تماماً كوسيلة ناجعة لاكتشاف هوية المجرمين، فإن واحداً اسمه مارك تواين استطاع ان يستهدي إلى المجرم في رواية «الحياة على الميسيسيبي، عن طريق بصمة ابهامه. وكذلك، فإنه في كتابه التالي «ويلسون ذو الرأس الشبيه بقطعة الحلوى»، الذي صدر بعد عشر سنوات من الأول، يلمح في محاكمة المجرم الشهيرة من تقديم البرهان على صوابية بصمة الأصبع كوسيلة لاكتشاف هوية المجرم. ولا بد أن يكون مصدر تواين الذي زوده بالمعلومات هو السير فرانسيس غالتون، عالم الإنسانيات ، الذي أطلق في الثمانينات من القرن التاسع عشر نظرية فردية بصمة الإنسان وثبوتيتها. وقد أدت اكتشافاته في هذا المجال إلى اعتماد مبدأ البصمات في العام 1901 كوسيلة رسمية لاكتشاف هوية المجرم في كل من انكلترا وويلز. وعلى هذا الأساس وضع أدوارد ريتشارد هنري، الذي أصبح فيما بعد مفوض شرطة لندن، نظام ترتيب بصمات الأصابع. واليوم لا يزال هذا النظام، رغم التعديلات والإضافات عليه، معمولا به من قبل مكتب التحريات الفيدرالي .
وقد تشكل قسم اكتشاف الهوية التابع للأف . بي . أي (FBI)، في العام 1924 من خلال ضم سجلات الدائرة الوطنية لاكتشاف المجرمين إلى سجلات إصلاحية ليفنورث . وكان الغرض من هذا القسم تأسيس مرجعية وطنية للمعلومات التي تؤدي إلى فضح هوية المجرمين، والتي يمكن تزويد الدوائر القانونية بها. وقد توسعت هذه السجلات اليوم لتشمل الأغراب ، وموظفي المصالح العسكرية، والموظفين المدنيين. وبناء على ذلك فقد تجمعت لدى الدوائر المختصة أكثر من 165 مليون بصمة، بتاريخ أول تشرين الأول/ أكتوبر 1976، يعود أكثر من 14 مليوناً منها إلى مجرمين .
هذا وترسل يومياً آلاف البصمات للحفظ لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية وتمر هذه البصمات بعملية طويلة ومعقدة، تنتهي بتاريخ البصمة، وترتيب الاسم حسب الحروف الهجائية، وتمييز الفئة التي تنتمي إليها البصمة، وفي بعض الأحيان مقارنة البصمة مع غيرها خشية أن تكون نسخة عن غيرها. (وتبين الإحصائيات أن 68% من الأشخاص المأخوذة بصماتهم بعد ارتكاب جرم ما يكون لديهم ملف سابق لدى الدائرة). وترتكز وسيلة التصنيف الأولية (وهي التي تعتمد نظام هنري) على وجود أنماط مميزة في بصمات الأصابع، مثل العروة ، أو القوس، أو الحلزون. وكذلك فإن هذه التصنيفات تقسم بدورها إلى فئات ثانوية وتعطى قيمة حكمية للشكل الذي يختص به كل أصبع من أصابع اليد، ثم تضاف هذه القيم إلى معادلة تتألف من رموز وأحرف وأرقام. ويؤدي هذا التصنيف المبدئي، المذكور على الزاوية اليمنى العليا من بطاقة البصمات، إلى توجيه كل بصمة من البصمات إلى الملف المناسب لها
ونظراً لاتساع نطاق ملفات البصمات، فإن الحصول على جزء من بصمة أمكن العثور عليها عند التحقيق، لا يؤدي ـ كما نرى في الأفلام ـ إلى اكتشاف المجرم. ولكن إذا ما زودت دوائر الشرطة مكتب التحقيقات الفيدرالية بلائحة تضم اسماء بعض المشبوهين (وقد يصل عددهم إلى مئة) فإن بالإمكان معرفة هوية الجاني من خلال جزء من بصمته لا يتعدى الممحاة في طرف قلم الرصاص .
وهناك وسائل مختلفة تستخدم في عملية البحث عن البصمات المطبوعة على الأشياء المرتبطة بالجرم. فإذا ما كان التحقيق يتناول مثلا شيكا مصـرفياً مزوراً، فإن الأجهـزة المختصة تستعمل محلولا كيماوياً يسمى «نینهیدرین»، ترشه على الشيك لإظهار البصمات عليه أما الأشياء المعدنية، أو الزجاجية، أو الخشبية، فترش بنوع من البودرة يلتصق حتى بالقليل من بقايا الزيت الذي يخلفه جلد الأصبع. وبعد التقاط الصور يتم نزع البصمة بواسطة شريط لاصق مرن، يوضع فيها بعد بداخل كيس من السيلوفان الشفاف ويقفل بأحكام وأخيراً فإن المختصين في مختبرات دوائر الشرطة ينكبون على مقارنة هذه العينة بغيرها من البصمات المتوفرة عن المشبوهين المعروفين .
ويبنى الاختصاصيون عملية مقارنة البصمات على أساس تفاصيل الأخاديد على سطح الأصبع. إذ يكون لكل بصمة إصبع أشكال واتجاهات معروفة، منها مثلا «نهايات الحروف»، و«التشعبات»، و«النقاط»، و«الخطوط القصيرة»، و«الجزر». ويقيم المختصون عن طريق أداة مكبرة المشابهات التي تعتمد على عدد الحروف، ومداها، والمسافة التي تفصلها عن بعضها، وعلاماتها وتختلف الآراء بخصوص عدد نقاط التشابه بين البصمة قيد الدرس والبصمة عروفة قبل التأكد من هوية الحلي تماماً، وليس المحكمة رأي ثابت بهذا الخصوص .
ويعتقد البعض أن الرقم يتراوح بين اثنتي عشرة خاصة مشتركة وسبع عشرة، مع الاكتفاء عموماً باثنتي عشرة خاصة، نظراً لأن الباحث الفرنسي في علم الجريمة، أدمون لوكار، على كفاية هذا الرقم .
ولاكتشاف البصمات أغراض أخرى تختلف عن ملاحقة المجرمين. إذ أن الأشخاص الذين يفقدون ذاكرتهم لسبب أو آخر غالباً ما يتوجهون إلى دوائر الشرطة لتساعدهم على اكتشاف هويتهم. ومع العلم أن مكتب التحقيقات الفدرالي لا يفشي بأسماء مثل هؤلاء الأشخاص، إلا مثلا حادثة جرت في ولاية جنوبي غربي الولايات المتحدة، حين اتصل شخص مجهول الهوية بالشرطة من هاتف عمومي، ليقول أنه لا يعرف لا اسمه ولا مكان سكنه، وأنه يحمل مسدساً في جعبته. وقامت الشرطة بإرسال بصماته إلى الأف . بي . أي، حيث تم العثور على ملفه لدى البحرية الأميركية، والعائد إلى أيام خدمته السابقة .