يطلق هذا اللفظ – في علم الجيولوجيا- على أي دليل مباشر يشير إلى وجـود كـائـن يرجـع عمره إلى أكثر من عشرة آلاف عام. وفي هذه الحالـة تـكـون الحفريـات هـي بقايـا التركيـب الأصلي للكائن كالعظام وذلك بعد أن ملئت الأجـزاء المسامية منهـا بالمعـادن (كربونـات الكالسيوم أو السليكا) التي ترسبت بفعل المياه الجوفية.
ومن ثم فإن عملية الترسيب هـذه تحمي العظام المتبقية من نفاذ الهواء إليها فتجعلها أقرب ما تكون إلى الحجارة.
كما قد تكون الحفريات مادة أصلية مثل الخشب الذي تم استبداله بمادة معدنية. وفي حالات أخـرى تـكـون الحفريات هي بقايا من الكربون حفظت نفس شكل تكوين الكائن الأصـلي، كذلك قـد تعد من الحفريات القوالب والأشكال الطبيعية التي تتكون عندما تتحلل الأجـزاء الصـلبة من الكائنات بفعل المياه الجوفية، وحيث إن التجاويف الناتجة هي الأخـرى قـوالـب طبيعيـة فإنها تمتلئ بالرواسب الصلبة وتتشكل مـن خلالهـا أنمـاط مكـررة أو نسـخ مـن الأشكال الأصلية.
وكذلك من الحفريات آثار الأقدام والأصابع التي تظل بدون تغير وتكون محفوظة في التربة المجملة وبحيرات الإسفلت والمستنقعات.
وهناك أيضا الحشرات التي تحجز في المادة الصمغية الخاصـة بأشجار الصنوبر القديمـة ثـم تتصلب وتأخذ الشكل الذي يعرف الأن باسم الكهرمان.
ومن الحفريات أيضا البقايا الحفرية التي غالبا ما تحتوي على قشـور الأسمـاك وأجـزاء أخـرى صلبة من حيوانات التهمت. وعلى الرغم أن الملاحظـة لعمليـة تحجـر الكائنـات كـانـت مستمرة على مر العصور، إلا أن تاريخ تسجيل أول تفسير علمي دقيق للحفريات يرجع إلى القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، وذلك عندما سجل علماء الطبيعة المسلمون نتـائج ملاحظاتهم واستدلوا بها على نظريتهم في تغير سطح الأرض على مدى الأزمنة التاريخيـة الجيولوجية الفائقة الطول اللازمة، كما استرشـدوا بهـا في دراستهم لعمليات الترسيب وتحجر الفتات الصخري. فذكر ابن سينا في كتابه الشفاء ما نصه:” وإن كان مـا يحكـى مـن تحجر حيوانات ونبات صحيحا فالسبب فيه شدة قوة معدنية محجره تحدث في بعـض البقـاع البحرية أو تنفصل دفعة من الأرض في الزلازل والخسوف، فتحجـر مـا تلـقـاه. فإنـه لـيس استحالة المياه، ولا من الممتنع في المركبات أن تغلب عليها قوة عنصر واحد يستحيل إليه. لأن كل واحد من العناصر التي فيها، مما ليس من جنس ذلك العنصر، من شأنه أن يستحيل إلى ذلك العنصر، ولهذا ما يستحيل الأجسام الواقعة في الملاحات إلى الملح. والأجسام الوقعة في الحريق إلى النار”. أما البيروني فقد ذكر في كتابه “تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن” علـة وجود العظام في الآبار والحياض بقوله: “… فهذه بادية العرب وقـد كـانـت بحـرا، فـإنكبس حتى إن آثار ذلك ظاهرة عند حفر الآبار والحياض بها، فإنها تبدي أطباقا من تـراب ورمـل ثم فيها من الخزف والزجاج والعظام ما يمتنع أن يحمل على دفن قاصد إياها هناك، بل تخرج منها أحجارا إذا كسرت كانت مشتملة على أصداف وودع، ومـا يـسـمى آذان الأسماك إمـا باقية فيها على حالها، وإما بالية قد تلاشت، وبقي مكانها خلاء متشكلا بشكلها”.
ويستدرك ابن سينا في الشفاء في تعليل وجـود الحيوانات المائيـة في أعـالي الجبـال فيقول: “فالجبال تكونها من أحد أسباب تكون الحجارة والغالب أن تكونها مـن طـيـن لـزج جـف على طول الزمان، وتحجر في مدد لا تضـبط…” ويضيف مبينـا القيمـة العلمية للأحافير الصدفية لأنها تعطي الدليل على أن المكان الذي وجدت فيه كان مغمورا تحت الماء فيقـول: “… فيشبه أن تكون هذه المعمورة، قد كانت في سالف الأيام غير معمـورة، بـل مغمـورة في البحار، فتحجرت إما بعد الانكشاف قليلا قليلا في مدد لا تفي التأريخـات بحفـظ أطرافهاً وإما تحت المياه لشدة الحرارة المختلفة تحت البحر، والأولى أن يكون بعد الانكشاف… ولهـذا يوجد في كثير من الأحجار إذا كسرت أجزاء الحيوانات المائية، كالأصداف وغيرها، ولا يبعد أن تكون القوة المعدنية قد تولدت هناك، فأعانت أيضا”.
وتزودنا الحفريات بصفة عامة بسجل للتغيير الهائل الذي امتد عبر ثلاثة بلايـين سـنـة مـن الزمن الجيولوجي. وعلى الرغم من الاحتمال القائم بأن الكائنات العديدة الخليـة كـانـت منتشرة في بحار العصر ما قبل الكمبيري، إلا أنها كانت كائنات ناعمة الملمـس جـدا بحيـث إنها تصبح غير مناسبة لأن تتكون منها حفريات. ومن ثم فإن العصر ما قبل الكمبيري قـد خلف لنا بقايا نادرة. إلا أن هذه البقايا قد زادت بـصـورة غـيـر محـدودة مـع وجـود المحـارات الصلبة وأجزاء هيكلية من الجسم بحلول العصر البلوزيكي منـذ 570 مليـون سـنـة خـلـت. وقد استخدم علماء الجيولوجيا في القرن التاسع عشـر هـذه الثـروة مـن الحفريات لوضـع تقسيم زمني لآخر نصف بليون سنة.