قاهر الاسبان والبرتغال في بلاد المغرب العربي

21 أغسطس 2021766 مشاهدةآخر تحديث :
قاهر الاسبان والبرتغال في بلاد المغرب العربي

عبد الكريم الخطابي

في أقصـى المغرب العربي حيث تقع أحـد بلاده تحت اسـتعمار أوروبي، خرج مناضـل ريفي على رأس فئة قليلة من المجـاهـدين يعلن دولتـه علانيـة أمـام تجـاهـل القوى الإسبانية الكبرى، لينزل بجيوشهم المنظمة هزائم فادحة ويفاوضـهم على أسـراهم، لتنقلب الأوضـاع وتشـتعل الأحداث بعدما حاصرهم وأذلهم، إنه الأمير الريفي المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي.

آل الخطابي ومكانتهم

اشتهر آل الخطابي المقيمون في قبيلة بني ورياغل بأنهم بيت علم ورياسـة، فقد كان عبد الكريم قاضـيا في قبيلته يحظى باعتبار عند الحكام الإسـبان الذين قرروا مهادنته، وقـد أرسـل هو ابنه البكر محمـد إلى مدينة فاس لتعلم علوم الفقه والدين والسـياسـة، كما أرسـل ابنه الثاني إمحمد إلى إسـبانيا لتعلم هندسـة المعادن رغم ما لاقاه من انتقادات على هذا التصـرف، وحينمـا كبر ابنه محمـد اعتمد عليه في مفاوضاته مع الإسبان وأموره السياسية حتى قتل عبد الكريم سـنة 1920 مسـمومـا بإيعاز من الإسبان، وكان آخر ما فعله هو طلبه إحضـار ابنيه إلى فراشـه ووصـاهما بالدفاع عن البلاد ضـد الإسـبان قائلًا لهما: “وصـيتي لكما أن تدافعا عن بلادكما، لأن الإسـبان أعداؤنا وأعداء الله”. وقبـل ذلك، في عـام 1907م التحق محمـد بن عبد الكريم وأخوه بمـدينـة مليليـة وكـان عمره في ذلك الوقـت نحو خمسة وعشرين عاما، أما أخوه فكان في الثانية عشرة من عمره، والتحق الاثنان بمدرسة ابتدائية للأهالي المسلمين تسمى “الإنديخينا” حيث عمل محمد بن عبد الكريم معلما للغـة العربية، ودخلهـا أخوه تلميـذا، والجـدير بـالـذكر أن محمـذا كـان قـد عمـل قبـل ذلـك محرزا بجريدة “إيـل طبليغراما”، وقد احتك خلال هذه السنوات بالسياسيين المغاربة والإسبان، وحينما وصـل العقد الثالث من عمره وبعدما مارس أعمال التعليم والصحافة والقضاء كان قد قرر الإقبال على العمل المسلح لمواجهة المستعمر الذي استنزف بلاده، ليبدأ ابن عبد الكريم ذلك من قبيلته.

الأمير وبداية الثورة الخطابية

عقدت بعض قبائل الريف اجتماعا شـمي باجتماع “القامة” لدراسة تسيير القوات المحشودة في المعارك التي سيتم خوضـها مع الإسـبان، ويرجح أن هذا الاجتماع كان ما بين عامي 1920م و1921م، ولكن رأى المجتمعون أن خوض المعارك يتطلب تعيين قائد لها، وقـد وقع الاختيار على محمد بن عبد الكريم الخطابي، ليتم تنصيبه أميرا وتأسيس الجمهورية الريفية وعاصـمتها أجدير، ليبدأ ابن عبد الكريم بتوجيه أنصـاره إلى فكرة التحرير وليس فقط المقاومة، وكذلك اجتماع كلمـة القبائل كلهـا للـدفـاع وليس دفاع القبيلة عن أرضـهـا فقط، وكانت هذه النقلة فـارقـة، إذ حولت معارك المقاومة من طابعها القبلي الـذي كـان لصالح الإسبان إلى طابع الوحدة, و حدث بعد ذلك عام 1921م عندما هاجم محمد بن عبد الكريم الخطابي بقواته الصـغيرة التي لا تتعدى ثلاثمائة مقاتل نقطة عسكرية تابعة للإسـبان أسفرت عن مقتل نصـف الحامية العسكرية الإسبانية واغتنام قطع عسـكـريـة ومـعـدات حربيـة، لينضـم المتطوعون من القبائل إثر ذلك النصـر إلى مركز قيادة الثوار بأرض تمسمان، وتبع ذلك انتصار ضخم، وهو انتصار معركة أنوال الشـهيرة، واتسـعـت بـذلك حلقة الجهاد لتشمل قبائل بني ورياغل وتمسـمان وبني توزين وبني سعيد ومعظم الشق الشرقي من سلسلة جبال الريف. للتغلب على الحسـاسـيـات القبلية اجتهـد محمـد بن عبد الكريم الخطـابي ، وعمل على تنظيم المجاهدين والفرق العسـكريـة، فـاسـتطاع بذلك أن يحقق معجزة توحيد قبائل الريف الشـرقي وقبائل غمارة وجبالة في الشـمال، ما عدّ تعزيزا قويا للثورة، إذ كان يضـم نحو 14 قبيلة مثلت ما يتعدى مائة ألف نسمة ومسـاحة خمسـة آلاف كيلو متر، لتضاف هذه المساحة إلى إقليم الريف الذي كان يتخطى الثلاثة آلاف كيلو متر فتصـبح بذلك المساحة المحررة أكبر من ضعف المساحة المحتلة.

كان لانتصارات المجاهدين أثر كبير في الساحة السياسية، ففي عـام 1922م اسـتقـال الكولونيـل ميـان أسـطراي مؤسـس قوات لا ليخيون من منصـبه بعد هزائم متكررة وأسر مئات الجنود الإسبانيين، وخلفه الديكتاتور العسكري الجنرال بريمو دي ريفيرا، وفي نوفمبر / تشـرين الثاني 1924م أدى قرار ابن عبد الكريم بالانتشار غربا إلى السيطرة على مدينة شـفـشـاون بعد الانسـحاب الكارثي للإسـبان منها وتكبدهم خسـائر كبيرة بعدما تم حصـارهم، واعتبره المجاهدون انتصارا كبيرا ويومًا عظيمًا.

الخطابي وبناء الجمهورية الريفية

حاول الخطابي بناء جمهوريته المستقلة كإعلانه للحكومة الدسـتورية لجمهورية الريف في سـبتمبر / أيلول 1921م لوضع الدستور الذي ركز على وضع السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد ما يسمى بالجمعية الوطنية التي يرأسها رئيس الجمهورية نفسـه، وكذلك تنظيم الوزارات، وقد استطاع أن يحول قبائل متفرقة يعادي بعضها بعضا في ظل احتلال الإسبان والفرنسيين إلى نخبة من الشجعان ذوي الكرامة أنهكوا الإسـبان والفرنسـيين برغم عتادهم وفرضوا عليهم الغرامات. كما أن ابن عبد الكريم كان منفتحا يعرف كيف ينظم أمور دولته وعلى استعداد للتعاون الدولي إذا ما أعطيت بلاده اسـتقلالهـا، ولقـد حـارب الخطـابي العـادات الخاطئة المنتشرة في بلاده آنذاك كالتعلق بالأولياء، كما أمر جنوده بعدم انتهاك الحرمات والمحافظة على الصـلاة، وحارب الرشـوة حتى أنه أوصـى أصـحابه بتلافي تقبل الهدية، فأصبحت الجرائم في دولته نادرة.

ولقد طبق الخطابي نظامًا ضـرائبيا جديدا، كما أصـلح القوانين المتعلقة بملكية الأرض وتوزيع المياه، ليدل كل ذلك على اهتمامه بثورة تهدف إلى الإصـلاح الشـامـل، وأسـس الخطـابي حكومتـه ووزاراتهـا التي أهمهـا وزارة الداخليـة ووزيرهـا اليزيد بن الحاج، ووزارة الخارجية التي تولاهـا محمـد أزرقـان الـذي أشـرف على مفـاوضـات الاسـتسـلام فيما بعد، ووزارة الحربية ووزارتا العدلية والمـاليـة، كمـا اهتم الأمير بـالتنظيم الإداري وقسـم جمهوريته إلى محاكم، كما سـن نصـوصـا وقوانين للصلح والعقوبات التي تستند إلى الشريعة الإسلامية. ولقـد ذكر أنه أولى العقوبات وتنظيمها على المخالفين والمجرمين اهتماما شـديدا باختلاف جرائمهم من القتل والسـرقة والتعدي، كما أولى السـوق اهتماما من حيث التبادلات التجارية، وكذلك تنظيمه، إذ تم تنظيم سـوق خاص بالنسـاء، وتفتخر قبيلة بني ورياغل بإكرامهم للمرأة بهذا السـوق الذي لا يزال موجودا حتى الآن لكنه يتعرض للإهمال.

استسلام الخطابي
بعدما قامت فرنسـا وإسـبانيا بشـن هجوم ضـخم على الجمهورية الريفية والحركة الخطابية انتقاما منهم اسـتعملت فيها أسلحة محرمة دوليا، هذا بالإضـافة إلى خيانة الكثيرين، اضـطر الخطابي إلى تســليم نفسـه  للقوات الفرنسـية وإعلان الاستسلام لانقاذ شعبه من الكارثة الانسانية التي يقوم بها المستعمر، وقد قامت فرنسا بنفيه فيما بعد إلى جزيرة لارينيون لكنه استقر في مصـر كلاجئ سياسي، وعلى الرغم من ضـعف موقف الخطابي بعد ذلك؛ فقد اسـتمر في العمل السياسي داعيا إلى استقلال المغرب والحركات التحررية في بلاد المغرب العربي حتى توفي عـام 1963م بمصر بعد أن نال المغرب استقلاله من الحماية الإسبانية والفرنسـية، ليعد بطلا قوميا شـرفت القاهرة بأن دفن فيها.
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.